عيد سعيد!
إنّك في السابعة من العمر، وحان وقت عرض مسلسل الكرتون، جراندايزر. تجلس أمام التلفاز يفصل بينك وبينه لربما بضعة سنتمترات. يبدأ المسلسل، وتفاجئ بأنّ التلفاز انطفئ. لا، ليست الكهرباء التي انقطعت، إنّه والدك (أو والدتك) الذي دخل إلى الغرفة وقام بإطفائه لإبعادك عنه!

لكن، لربما كان والدك على حق، ولربما كنت أنا وأنت نستحق ما حلّ بنا من عقابٍ بإطفاء التلفاز.
تعاقبت الدراسات من أوروبا إلى الصين والتي لاحظت نفس الملاحظة تماماً. تطاول كرة العين المرضي. بعد جائحة كورونا. ولست من أصحاب نظرية المؤامرة بالطبع. لكن، كان لجائحة الكورونا وما تبعها من تحديدٍ لحرية الحركة والاجتماع، وتحويل الجلسات التعليمية في كثيرٍ من المعاهد والمدارس الدور الكبير في التأثير على بنية الأطفال التشريحية! حتى وجدت إحدى الدراسات من هونج كونج تضاعف هذه الظاهرة لدى الأطفال بعمر الست سنوات.
حسر البصر
يعاني حوالي ٣٠٪ من سكان العالم من حسر البصر (ضعف الرؤية للبعيد)، ويتوقّع ضمن المعطيات الحالية، وبحلول عام ٢٠٥٠، أن تصل هذه النسبة إلى ٥٠٪ أي حوالي ٥ مليار شخص!
الملاحظة في أسفل الصورة: يتم قياس قصر النظر بالديوبتر (D)، وهو نفس قياس القوة البؤرية المستخدم في الوصفات الطبية للنظارات والعدسات اللاصقة. يتم تعريف قصر النظر على أنه -0.5 درجة أو أقل، وقصر النظر الشديد على أنه -5.0 درجة أو أقل.
وبالرغم من أنّ هذا الأمر يصيب الأطفال بشكلٍ رئيسي، لكنّنا جميعاً وبجميع الأعمار معرضين لذلك:
على اليسار الفئات العمرية المختلفة، الخطوط باللون البرتقالي للأشخاص المشخّصين بحسر البصر عام ٢٠٠٠. الخطوط باللون الغامق للأشخاص المتوقّع إصابتهم بحلول عام ٢٠٥٠.
ماذا نعرف عن هذه الآلية؟
تقوم العين باستمرار بضبط شكلها استجابةً لبعض الإشارات البصرية. إذا كانت تلك الإشارات تشير إلى أن العين قصيرة جدًا، فإنها تتمدّد لتتمكن من التركيز على الأشياء. وعلى العكس من ذلك، إذا أصبحت العين طويلة جدًا، فسوف تتلقى إشارات "توقف"، والتي تعد ضرورية لمنع قصر النظر.
كانت يُعتقد أنّ مصدر هذه الإشارات هي بعض النواقل العصبية التي تفرز في الجزء الخلفي للعين لتحرّض التوقّف بعد التعرض إلى الضوء. لكن، ظهرت نظرية بديلة. تقول هذه النظرية أنّ هناك فوائد وقائيّة للخروج في الهواء الطلق (Outdoor) قد تكون أقل ارتباطًا بالضوء وأكثر ارتباطًا بأنماط الضبابية التي تحدث عبر شبكية العين في بيئات بصرية مختلفة.
لكن ما معنى هذا الكلام؟ انتظر سأشرح لك!
تمتلئ المساحات الداخلية (المنازل، المكاتب، المطاعم) بمزيج من الأشياء على مسافات مختلفة، وتكون محاطة بجدران مسطحة. تتطلب مثل هذه الظروف تعديلات مستمرة للتركيز، والتي تحرم شبكية العين من إشارات التوقف اللازمة لتنظيم نمو العين الصحّي.
أما عند الخروج من المنزل والنظر إلى ما نراه أمامنا في الهواء الطلق. فهو مشهدٌ بصريٌّ غنيّ. وعادةً ماتكون عناصره على مسافات كبيرة بحيث تندمج مجموعة واسعة من التفاصيل في صورة أكثر اتساقًا. هذا التوحيد في التركيز هو ما يدفع العين إلى التوقف عن النمو، كما يؤكد إيان فليتكروفت، طبيب عيون الأطفال في مركز أبحاث العيون الأيرلندي في دبلن. ويقول: "إن إشارة التوقف الفعّالة هي حيث ترى شبكية العين بأكملها صورة واضحة".
يوفر الخروج من المنزل الاستفادة من ضوء الشمس الساطع والتجربة البصرية الغنية للمساحات المفتوحة على مصراعيها - بالإضافة إلى النشاط البدني الإضافي وتحسين الصحة.
لذلك وكما عرضت لك في موضوع الأسبوع المنصرم، عليك أن تخرج الآن…وبسرعة (راجع الموضوع من هذا الرابط)
هل أعجبك موضوع اليوم؟ يمكنك الاطلاع على كافة مواضيع فَذلكة عن طريق الرابط هنا. ولكي لا يفوتك أي موضوع في المستقبل يمكنك الاشتراك مجاناً بالقائمة البريدية.
ولا تنسَ مشاركة هذا الموضوع مع من يهمك من أصحابك الذين لديهم أولاد، فقد يساعد ذلك في إنقاذ أعينهم!.
هل هناك أيّة بدائل؟
قد يقول قائل: “وصل العلم إلى دراجاتٍ متقدمة، وهناك دواء لكل كشيء، ألا يستطيع العلم تقديم دواءٍ لهذه الظاهرة دون الحاجة إلى الخروج من المنزل!؟”
ويكون الرد: “أولاً، لماذا؟! ما الضير في الخروج من المنزل والتمتع بالطبيعة حولك. أو حتى بمنظر السماء! ثانياً: درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج. ثالثاً: وجدت بعض المحاولات العلمية التي تحاول علاج هذا الأمر.”
تعرض هذه المقالة من موقع مجلة Nature الغنية عن التعريف بعض البدائل التي هي قيد التطوير:
تقوم شركة الأجهزة الطبية Dopavision، ومقرها برلين، بتجربة تكنولوجيا للواقع الافتراضي، توفر ضوءًا أزرقًا قصير الطول الموجي إلى "النقطة العمياء" - وهي النقطة في شبكية العين حيث يتصل العصب البصري. تزيد الناقل العصبي المسؤول عن إشارة التوقّف في العين لدى الآرانب. تجري حاليًا تجربة سريرية أكبر للمنصة في أوروبا، حيث يرتدي الأطفال النظارة الخاصة أثناء لعب ألعاب الفيديو.
الضوء الصيني الأحمر: يتضمن العلاج، المعروف باسم العلاج المتكرر بالضوء الأحمر منخفض المستوى، استخدام جهاز سطحي يشبه المجهر، وينبعث منه ليزر منخفض الكثافة وطويل الموجة مباشرة في عيون المستخدم. بحسب الدراسات الصينية، تظهر نتائج واعدة من الموضوع، لكن هناك دائماً تأثيرات جانبية، مثل هذه الطفلة ذات ال١٢ عاماً والتي عانت من فقدان البصر بسببه!
الخلاصة
ما نعرفه الآن عن الموضوع، علينا خلق بيئة لعب للأطفال، تماماً مثلما كانت بيئة اللعب الخاصة بنا. في الخارج، في الحديقة، في باحة المنزل أو في أيّ مكان بعيداً عن التلفاز أو شاشات الهاتف. ولأنّنا نعيش في هذا العالم. نعرف كم هو صعب هذا الأمر. ونحن “الكبار العاقلون” نجد صعوبة في الابتعاد عن هواتفنا وشاشات الكمبيوتر والتلفاز. لذلك اخرج في نزهة قصيرة كل يوم. أرح عينيك من التركيز على شيءٍ واحد أو شاشة واحدة. وإذا كان لديك أطفال، لا تنسَ أن تأخذهم معك إلى الخارج وحاول بكلّ ما استطعت أن تبحث عن الألعاب والأنشطة التي لا يمكن القيام بها إلاّ في الخارج.
وتذكّر أنّ لهذا الأمر فائدتين: الأولى: الإحساس بالسعادة وتخفيف الضغط عنك (راجع موضوع الأسبوع الماضي). والثاني هو تقليل خطر حسر البصر!
فأحسن دوا….شمّ الهوا…
شم الهوا: تعني الخروج من المكان المعتاد الذي تمكث فيه إلى الطبيعة أو في نزهة والتمتع بالهواء الطلق والمناظر الجميلة.
شكراً لوقتك وإلى الأسبوع القادم!